[color=#ffffff]الفنان محمد عبده.. العزف على أوتار القلوب
الفنان السعودي "محمد عبده" هو ابن البحار، وقد أراد -وهو طفل- أن يصبح بحارا مثل أبيه، ولكنه لم يركب سفينة في المياه، ولم يصارع الموج العاتي، ولم يمسك مجدافه الخشبي في مواجهة ثورة البحر وتقلباته، ولم يجب المواني ويرسو بسفينته على الشواطئ، ولكنه أيضا فعل كل ذلك!.
صنع محمد عبده سفينته "الطربية" التي طاف بها بين المقامات والألحان، أمسك بدلا من المجداف بريشة عزف بها على أوتار عوده فعزف لمشاعر بشر يمتلكون وجدانا وشجنا عربيا.
صارع محمد عبده كل محاولات تغييب كل ما هو عربي المذاق من خلال أغنياته وألحانه واختياراته لكلمات تستنهض كل ما هو طيب وغير مزيف، جاب المواني العربية بسفينته الطربية التي التف حولها العرب في كل مكان، وانتظروها على الشواطئ لأنهم وجدوا فيها من يخاطب ذائقتهم، ومن يمنحهم حالات وَجْد تصوروا أنهم يفقدونها وسط ما يُقدم لهم من تغريب فني.
مشواره الفني
ولد محمد عبده في قرية "الدرب" (جنوب السعودية) عام 1948، ذاق مرارة اليتم صغيرا حيث رحل عنه والده وهو ما زال طفلا في السادسة من عمره، عاش رحلة من الفقر والعوز حتى إنه عاش فترة في دار للأيتام هو وشقيقه بمنحة من الملك "فيصل"، وربما كان لتلك النشأة وتلك المعاناة الدور الكبير في هذا الشجن الحزين الذي يمتلك قلبه ويخرج في ألحانه.
استطاع محمد عبده دخول المعهد الصناعي والتخصص في صناعة السفن في محاولة لتحقيق حلمه القديم بأن يصبح بحارا مثل والده، ولكنه أيضا كان مولعا بالفن والغناء الذي أخذه إلى بحر النغم الذي أخلص له ومنحه اهتماما حقيقيا.
لحن محمد عبده أول ألحانه وهو شاب لم يكمل العشرين من عمره وهي أغنية "خلاص ضاعت أمانينا"، ومنذ تلك الأغنية بدأ الرهان على هذا الجواد الذي لفت الأنظار إليه، وكان الرهان على قدرته على تشكيل ذوق جديد يخالف الأغنية السائدة، وهو ما سار بخطوات ثابتة على طريق تحقيقه، حيث جاءت الأغنية الثانية التي قام بتلحينها وغنائها "الرسايل" التي ما زالت تُطلب منه حتى الآن في حفلاته، وهي التي تقول: "لا تردين الرسايل/ ويش أسوي بالورج/ وكل معنى للمحبة/ داب فيها واحترج".
تزوج محمد عبده عام 1978 من ابنة الجيران التي غنى لها العديد من الأغنيات بدأها بأغنية كتبها له خصيصا صديقه ورفيق دربه الشاعر "إبراهيم حجازي" وهي أغنية "ما لي ومال الناس". وأنجب سبعة أبناء هم: نورا، وود، وريم، وهيفاء، وعبد الرحمن، وبدر، ودلال. وتعد ابنته الكبرى "نورا" هي أقربهن إليه ويتخذها مستشاره الفني.
استلهام التراث الشعبي
لم يكتف محمد عبده بغناء ألحانه فقط، ولكنه حرص أيضا على تنويع أغنياته بالتعامل مع غيره من الملحنين، كما حرص على الكلمة الجادة الجميلة والراقية من خلال التعامل مع شعراء يمتلكون رؤية فنية مثل الأمير "خالد الفيصل" الذي غنى من كلماته أرق الأغنيات، وأيضا "بدر بن عبد المحسن"، و"إبراهيم خفاجي"، و"فائق عبد الجليل" و"الناصر" و"عبد العزيز بن مساعد" وغيرهم من الشعراء.
منذ إطلالته على الساحة الفنية والغنائية قبل أربعة عقود استطاع محمد عبده أن يرسم ويؤكد ملامح مشروعه الفني ويطوره، استطاع أن يقدم الأغنية التي تقف أمام الهجمة الشرسة للميوعة والابتذال التي تملأ الساحة الغنائية الآن، وهو لا يمتلك من الأدوات أكثر من الإمساك بتلابيب تراثه العربي الشعبي والفلكلوري يستلهم منه ويطوره.
وقد استطاع عبده توظيف الكلمة الشعبية في أغانيه المستلهمة من التراث الشعبي للدول العربية لا السعودية فقط، مثل "ماكو فكه" الكويتية، و"أيوووه" الإسكندرانية، كما وفق في مزج اللهجات السعودية المتعددة في قالب واحد وهو ما يُعد إنجازا وطنيا كما يُطلق عليه الأمير الشاعر "خالد الفيصل".
وهو يقوم بجمع كل ما يمكن أن يجمعه من تراثه الموسيقي الشعبي والعربي ويستلهم منه ويطوره حتى يصبح للأغنية العربية تواجدها بمذاقها الخاص.
ومحمد عبده لا يطلق الآراء التي نكتشف بعد ذلك أنها منبتة الصلة بما يقدمه للساحة الغنائية -مثلما يتشدق الكثيرون بكلام ليس له مردود على ما يقدمونه من فن غنائي- بل سنكتشف على الفور أنه يطبق حرفيا ما ينادي به في حواراته الصحفية.
لو قرأنا مناداته الدائمة للفنانين العرب بالابتعاد قدر الإمكان عن التوجه الغربي في الفن، وأن يحرصوا على إظهار ما تمتلكه بلدانهم من ألحان وتراثيات، فسنجد أنه أول من يفعل ذلك بل يحارب من أجل استمراره.
وهو حين يؤكد أن على الفنان العربي أن يدرك عولمة الفن ويعيها حتى يحافظ على قضايا أمته بحيث لا تُملى عليه موروثات الآخر وثقافته، فسنجد أنه بالفعل أحد المحاربين الذين يشحذون أدواتهم الفنية ويطوعونها من أجل هذا الهدف النبيل.
رفض الانحطاط الفني
يرفض محمد عبده "صرعة" الفيديو كليب ويرى أنها مسعى الفضائيات للكسب المادي والبعد عن الرقي بذائقة المتلقي العربي، حتى بات الرقص والعري هو شعار المطربات والمطربين، وباتت الأغنية فارغة من الجمل اللحنية الطربية، وكلماتها تهبط بمستوى المشاعر الجميلة، غريبة عن الأذن العربية والوجدان والشجن العربي.
لذا سنلاحظ أن محمد عبده هو سيد خشبة المسرح التي لم يستبدل بها وسائط الميديا الجديدة كالكليبات في محاولة لإخفاء تدني المستوى الفني، ولا اللهث وراء جذب الجمهور والضحك، بل الكذب على مشاعره ووجدانه ببعض الرقص والصخب التغيبي.
ولكنه أيضا يتمتع بمرونة في التماشي مع الأغنية الحديثة، فهو يحرص على التجديد وإعطاء أغانيه صبغة حداثية ولكنها تحتفظ بجدية اللحن والكلمة والأداء، وهو ما جعله -حتى وسط ما نعيشه الآن من صراعات- فنانا محافظا على جمهوره الكبير الذي ينتقل معه لحضور حفلاته من بلد إلى آخر.
ربما لذلك يرفض محمد عبده الاحتكار من قِبل شركات إنتاج الكاسيت، والعقود التي يوقعها مع تلك الشركات تكون عقودا محددة لإنجاز أعمال فنية محددة، بتواريخ محددة، تنتهي تلك العقود بانتهاء هذه الأعمال.
أما الاحتكار فهو يرفضه تماما حتى يتمكن دائما من تقديم الفن الذي يريده بالطريقة التي تناسبه، وهو أيضا لا يسمح بأن تُفرض عليه لا ألحان ولا كلمات لا يرتضيها، ولا تصب في اتجاهه الفني الذي سار عليه.
سفير النوايا الحسنة
لا يحافظ محمد عبده على تراثه الفني فقط، ولكنه أيضا يحافظ على ذكرياته القديمة، فهو مثلا لم يقم بتغيير مكتبه الذي يزاول فيه نشاطه الفني، فقد خصص جزءا من منزله القديم في حي "النزلة" -أحد الأحياء الفقيرة في جده- ليمارس نشاطه حيث يقول: "مشواري اليومي من مسكني في الشمال إلى جنوب المدينة يجعلني متواصلا مع الناس ومع مكتبتي وذكرياتي ومن أحب، ومن سبق أن أحببت". وهكذا نجد أن الفنان الحقيقي لا يحمل ازدواجية المعايير سواء على المستوى الفني أو الإنساني.
في عام 2002 اختير محمد عبده سفيرا للنوايا الحسنة من قِبل منظمة اليونسكو لما يتمتع به من شعبية كبيرة وسمعة حسنة في الوطن العربي، وفي ضوء الاختيار قام بإحياء العديد من الحفلات الإنسانية لذوي الاحتياجات الخاصة، وأطفال الشوارع وجمعيات المعاقين وغيرها من الأنشطة الإنسانية في عدد من الدول العربية.
وكان عبده أول فنان سعودي يعلن عن ترشيحه للانتخابات البلدية في خطوة لتشجيع أفراد مجتمعه لمواكبة المتغيرات نحو تشكيل المجتمع المدني.
[color:0e58=#ffff33:0e58]قراءة الموضـــــــوع واعجبني فحبيت انقله لكم لعلكم تستفيدون من
سيرة فنان العرب محمد عبدو من بدايته الفنيه ولكم جزيل الشكر
0__________________
:898خمعمهعخ0ه0-